من أسماء الله تعالى اسم الوهاب. وهو مبالغة في الوهب، من الهبة، وهي التمليك بغير عوض ولا غرض من ثناء أو مدح أو مودة أو تخلص من مذمة أو اكتساب شرف وذكر. وقد ورد " الوهاب" في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: "أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ" (ص، الآية 9).
والله تعالى هو الوهاب على الحقيقة؛ إذ هو الذي يعطي كل محتاج ما يحتاج إليه. فهو سبحانه لا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته، بل المخلوقات كلها تحتاج إليه سبحانه؛ في وجودها وفي إمدادها بالحياة والوجود، كما تحتاج إليه في عدمها أيضا.
ومعناه في حق الله تعالى أنه سبحانه جزيل العطاء والنوال، كثير الإنعام والإكرام، عظيم اللطف والإقبال، يعطي من غير سؤال، ولا يقطع نواله عن العبد بحال.
ومن أعظم ما وهبه الله تعالى للبشرية النبوة؛ لهدايتهم وإرشادهم إليه. قال نبي الله موسى عليه السلام متحدثا لفرعون بنعمة الله تعالى عليه: "فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (الشعراء، الآية 21).
ومن أعظم ما وهب الله تعالى للبشرية العلم، ولا غرابة في ذلك؛ إذ العلم ميراث النبوة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" (سنن الترمذي/ 2682).
وكذلك من أعظم ما يعطيه الله تعالى لعباده أنه يهديهم ويوفقهم إلى طريق الاستقامة، وهو مما يدعو به الراسخون في العلم ربهم؛ قال تعالى: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" (آل عمران، الآيتان 7-8). ولنتأمل مدح الله لهم بالعقل في قوله: "وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ"!
وقد تعلق باسم الله الوهاب أنبياء الله تعالى والصالحون من عباده؛ فقد سأل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ربه بأن يهب له حكما، وأن يحسن خاتمته، فقال: "رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" (الشعراء، الآية 83). كما لجأ نبي الله سليمان عليه السلام إلى ربه الوهاب، فطلب منه أن يهب له ملكا عظيما؛ قال تعالى حكاية عنه: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" (ص، الآية 35). ودعا إبراهيم ربه الوهاب أن يهب له ولدا صالحا بعد أن بلغ من الشيب عتيا، فقال: "رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ" (الصافات، الآية 100).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاءه بعد نومه باسم الله الوهاب؛ إذ روت السيدة عائشة رضي الله عنها أنه "صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إله إلا أنت سبحانك. اللهم أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب" (سنن أبي داود/ 5061). كما كان صلى الله عليه وسلم يستفتح به صلاته أيضا؛ فقد روي عن سلمة بن الأكوع أنه قال: "ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاء إلا استفتحه: بسبحان ربي العلي الأعلى الوهاب" (مستدرك الحاكم/ 1835).
وضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في التخلق بهذا الاسم؛ إذ كان العطاء والصدقة أحب الأشياء إليه، وكان فرحه وسروره بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه منه. وإذا عرض له محتاج آثره على نفسه. وقد ورد ذلك في مواطن كثيرة، منها ما ورد عن أنس أنه قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين. فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة" (صحيح مسلم/ 2312).
ولذلك كله، وجب على العبد أن يؤمن ويعتقد أن الله تعالى هو صاحب العطاء وحده على الحقيقة. كما عليه أن يرضى تمام الرضا بما قسم الله تعالى الوهاب له، وأن يلهج لسانه بذلك شكرا لله تعالى. فإذا فعل ذلك، كان متشبها بأنبياء الله عليهم السلام. فقد حمد إبراهيم عليه السلام ربه على هبة الله له، إذ أعطاه الذرية واستجاب دعاءه: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" (إبراهيم، الآية 39).
وطريق العبد في التخلق بهذا الاسم أن يكثر عطاؤه للخلق بدون مقابل مادي أو معنوي، بل يعطيهم مثل ما أعطاه الله تعالى بغير مَنّ.
فاللهم هب لنا من لدنك رحمة وعلما، وحققنا بشيء من اسمك الوهاب حتى نعطي الخلق مما أعطيتنا بلا منّ أو أذى.